فهم الفهم...؟
يختلف النَّاس في مناط القاعدة السَّلفيَّة المشهورة ( فهم السَّلف). وليس هذا مبتغى هذا المنشور ولكن تسلسل المعضلة في عقول كثير من السَّلفيِّين لأنَّنا من فهم السَّلف انتقلنا إلى فهم ثلاثة شيوخ...!
فعندنا : " فهم السَّلف" و " فهم العلماء لفهم السَّلف" ثمَّ " فهمنا لفهم العلماء لفهم السَّلف".
وهكذا حتى صارت قاعدة " فهم السَّلف" نفسها ضبابية مطَّاطة ينزلها كلُّ واحد على فهمه، أو فهم شيخه.. ؟!
وهذا في الحقيقة تعقيد للعلم ليس بتكثير مسائله أو تدقيق مقدِّماته ولكن بتعريته من خصائصه حتى لا يصبح بينه وبين الظنِّ ومجرَّد الاعتقاد فاصل.
في الحقيقة لا يوجد شيء مستقلٌّ عن الأدلَّة يُسمَّى " الفهم" نحتجُّ به على مخالف، فالفهم ليس شيئا آخر غير المعرفة والعلم.
وكونه درجات يتفاوت فيها الخلق لا يعني بحالٍ أنَّه شيئ زائد عن العلم بالدَّليل.
ف_( الفهم) هو معرفتك الشَّيئ بالقلب، و" فَهِمَ" يعني: علم ( كما في لسان العرب).
تعني : أدرك الشَّيئ، وعلمه، وأحسن تصوُّره، واستوعبه.
كما تقول : فهم القضيَّة، فهم الدَّرس.
و " فهم الدَّليل الشَّرعيَّ" يعني : علم وعرف معاني كلام الله وكلام رسوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم.
و" الفهم" له جانبان :جانب ذهنيٌّ يتمثَّل في فعلٍ عقلي لمعرفة معنى شيئ، أو طبيعته، أو وظيفته.
وفي هذا الجانب هو: القدرة الذِّهنيَّة التي نتجاوز بها الصُّعوبة والمشاكل التي تُعيق إدراك المعنى فهو نتيجة هذه القدرة.
وله جانب نفساني : إذ هو خاصِّيَّة أن نملك في أنفسنا عدداً من الخصائص المعينة على التَّصور الصَّحيح، يعني: هيئة قابلة، ومجموع الخصائص الضَّامة لفكرة.
والتَّعبير الخاصُّ عنه هو: الفقه، فالفهم عامٌّ، والفقه خاصٌّ بفهم مراد المتكلِّم من كلامه ( كما يقول ابن القيم) .
وعلى هذا ليس الفهم شيئا غيابيا، أو سحريا، أو سرًّا غامضا، فليس الفهم الَّا الدَّليل المعتبر السَّالم من معارضة مؤثرة، يُثبت أنَّ هذا المعنى أو ذاك هو مراد الشَّرع.
و سواء قلت : هذا فهم السَّلف ،أو فهم ابن تيميَّة ،أو فهم شيوخ السَّلفية الثلاث، فلا يوجد شيئ في العلم مجرَّد عن الدَّليل الَّا التَّقليد المحض، وهو جهل.
فمهما كان يلزمك أن تثبت أنَّ فهم هذا الشَّيخ أو ذاك لدليلٍ هو الموافق لمراد الشَّرع، ولا إثبات بدون دليل معتبر.
وهذا بدون أن نعرج على اختلافهم في عدَّة مسائل، وعلى تبعُّض أفهامهم، وأحيانا تعدُّدها.
وعليه، لا يمكن حصر السَّلفيَّة في ثلاثة شيوخ أو سبعة ، فضلا عن حصر فهم الدَّليل فيهم.
وإذا قُدِّر انَّهم اتَّفقوا على مسألة فليسوا الأمَّة، ولا هم كلُّ أهل السُّنَّة.
فحيثما وليت وجهك يلزمك الدَّليل الشَّرعيُّ.
والسُّؤال البديهي :كيف عرفت أنَّ فهمهم للدَّليل الشَّرعيِّ ،أو لفهم السَّلف هو الفهم الصَّحيح..؟
والعجيب أنَّ بعضهم يريد التَّحاكم إلى أقوالهم في مسائل قتلها العلماء المتقدِّمون بحثا..!
قد يُصدم الشَّباب بمثل هذه التَّصحيحات لأنَّهم شبُّوا على مسلمات وكلِّيَّات بدون تفصيل، أوقفتها الأحداث والجزئيَّات في وسط الزِّحام فالتفتت إليها الأنظار، وعرفت منها ما كان مخفيًّا لعدم مقتضى، أو عدم تدقيق.
الرئيسية 